فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (44):

{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}
{فَسَتَذْكُرُونَ} وقرئ {فَسَتَذْكُرُونَ} بالتشديد أي فسيذكر بعضكم بعضًا عند معاينة العذاب {مَا أَقُولُ لَكُمْ} من النصائح {وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله} ليعصمني من كل سوء {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} فيحرس من يلوذ به سبحانه منهم من المكاره، وهذا يحتمل أن يكون جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} [غافر: 37] أو من قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (45):

{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)}
{فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} ويحتمل أن يكون متاركة والتفريع في {فَسَتَذْكُرُونَ} على قوله الأخير: {حِسَابٍ وياقوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ} إلخ، وجعله من جعل ذلك معطوفًا على {يا قوم ما لي أدعوكم} [غافر: 41] الثاني تفريعًا على جملة الكلام، و{مَا} في {مَا مَكَرُواْ} مصدرية و{السيئات} الشدائد أي فوقاه الله تعالى شدائد مكرءهم {وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ} أي بفرعون وقومه، فاستغنى بذكرهم عن ذكره ضرورة أنه أولى منهم بذلك، ويجوز أن يكون آل فرعون شاملًا له عليه اللعنة بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله تعالى: {اعلموا ءالَ دَاوُودُ} [سبأ: 13] انه شامل لداود عليه السلام، وكانوا على ما حكي الاوزاعي ولا اعتقد صحته ألفي ألف وستمائة ألف.
وعن ابن عباس أن هذا المؤمن لما أظهر إيمانه قصد فرعون قتله فهرب إلى جبل فبعث في طلبه ألف رجل فمنهم من أدركه يصلي والسباع حوله فلما هموا ليأخذوه ذبت عنه فأكلتهم، ومنهم من مات في الجبل عطشًا، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبًا فاتهمه وقتله وصبله، فالمراد بآل فرعون هؤلاء الألف الذين بعثهم إلى قتله أي فنزل بهم وأصابهم {فِرْعَوْنَ سُوء العذاب} الغرق على الأول وأكل السباع والموت عطشًا والقتل والصلب على ما روى عن ابن عباس والنار عليهما ولعله الأولى، وإضافة {سُوء} إلى العذاب لامية أو من إضافة الصفة للموصوف.

.تفسير الآية رقم (46):

{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}
{النار} مبتدأ وجملة قوله تعالى: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} خبره والجملة تفسير لقوله تعالى: {وَحَاقَ} [غافر: 45] إلخ.
وجوز أن تكون {النار} بدلًا من {سُوء العذاب} و{يُعْرَضُونَ} في ضموع الحال منها أو من الآل، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير {سُوء العذاب} كأنه قيل: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، وجملة {يُعْرَضُونَ} تفسير على ما مر، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب الكشاف، ومنشأ التعظيم على ما في الكشف الاجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعًا من التهويل. الأولى: الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب. والثانية: النار المعروض هم عليها غدوًا وعشيًا.
والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير {سُوء العذاب} وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت {سُوء العذاب} بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب. ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميمًا لقوله تعالى: {وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ} من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستدلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بيانًا وإيضاحًا للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار؛ على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وههنا كذلك على ما لا يخفى، والتركيب أيضًا يفيد التقوى على نحو زيد ضربته.
ومن هنا قال صاحب الكشف: هذا هو الوجه، وأيد بقراءة من نصب {النار} بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره {يُعْرَضُونَ} مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم: عرض الأساري على السيف قتلوا به، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك، وهذا العرض لأرواحهم.
أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
أخرج ابن أبي شيبة. وهناد. وعبد بن حميد. عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.
وأخرج عبد الرزاق. وابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحو ذلك، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم، وقيل. ذاك من باب التمثيل وليس بذاك، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص عنى أنهم يعرضون على النار صباحًا مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر.
والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار، ويقول أول الليل: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله تعالى من النار، والفصل بين الوقتين إما بترك العذاب أو بتعذبهم بنوع آخر غير النار.
وجوز أن يكون المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع، وأيًا ما كان ففي الآية دليل ظاهر على بقاء النفس وعذاب البرزخ لأنه تعالى بعد أن ذكر ذلك العرض قال جل شأنه: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أَدْخِلُواْ ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} وهو ظاهر في المغايرة فيتعين كون ذلك في البرزخ، ولا قائل بالفرق بينهم وبين غيرهم فيتم الاستدلال على العموم، وفي الصحيحين. وغيرهما عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيء إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى» و{يَوْمٍ} على ما استظهره أبو حيان معمول لقول مضمر، والجملة عطف على ما قبلها أي ويوم تقوم الساعة يقال للملائكة: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب أي عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم فإن عذابها ألوان بعضها أشدّ من بعض، وعن بعض أشد العذاب هو عذاب الهاوية، وقيل: هو معمول {أَدْخِلُواْ}.
وقيل: هو عطف على {عشيًا} فالعامل فيه {أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ} و{أَدْخِلُواْ} على إضمار القول وهو كما ترى، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والحسن. وقتادة. وابن كثير، والعربيان. وأبو بكر {أَدْخِلُواْ} على أنه أمر لآل فرعون بالدخول أي ادخلوا يا آل فرعون وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (47):

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)}
{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النار} معمولًا لا ذكر محذوفًا أي واذكر وقت تخاصمهم في النار، والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما تلي عليك من قصة موسى عليه السلام. وفرعون. ومؤمن آل فرعون ولا على قوله تعالى: {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد} [غافر: 4] أو على قوله سبحانه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة} [غافر: 18] لعدم الحاجة إلى التقدير في الأول وبعد المعطوف عليه في الأخيرين.
وزعم الطبري أن {إِذْ} معطوفة على {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18] وهو مع بعده فيه ما فيه، وجوز أن تكون معطوف على {غُدُوًّا} [غافر: 46] وجملة {يَوْمٍ تَقُومُ} اعتراض بينهما وهو مع كونه خلاف الظاهر قليل الفائدة، وضمير يتحاجون على ما اختاره ابن عطية وغيره لجميع كفار الأمم، ويتراءى من كلام بعضهم أنه لكفار قريش، وقيل: هو لآل فرعون، وقوله تعالى: {فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} تفصيل للمحاجة والتخاصم في النار أي يقول المرؤسون لرؤسائهم: {إِنَّا كُنَّا} في الدنيا {لَكُمْ تَبَعًا} تباعًا فهو كخدم في جمع خادم.
وذهب جمع لقلة هذا الجمع إلى أن {تَبَعًا} مصدر إما بتقدير مضاف أي إنا كنا لكم ذوي تبع أي أتباعًا أو على التجوز في الظرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النار} بدفع بعض عذابها أو بتحمله عنا، و{مُّغْنُونَ} من الغناء بالفتح عنى الفائدة، و{نَصِيبًا} عنى حصة مفعول لما دل عليه من الدفع أو الحمل أوله بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبًا، ويجوز أن يكون نصيبًا قائمًا مقام المصدر كشيئًا في قوله تعالى: {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا}. و{مِنَ النار} [آل عمران: 10] على هذا متعلق غنون وعلى ما قبله ظرف مستقر بيان لنصيبًا.

.تفسير الآية رقم (48):

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)}
{قَالَ الذين استكبروا} للضعفاء {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لدفعنا عن أنفسنا شيئًا من العذاب؛ ورفع {كُلٌّ} على الابتداء وهو مضاف تقديرًا لأن المراد كلنا و{فِيهَا} خبره والجملة خبر إن.
وقرأ ابن السميقع. وعيسى بن عمر {كَلاَّ} بالنصب، وخرجه ابن عطية. والزمخشري على أنه توكيد لاسم إن، وكون كل المقطع عن الإضافة يقع تأكيدًا اكتفاء بأن المعنى عليها مذهب الفراء ونقله أبو حيان عن الكوفيين. ورده ابن مالك في «شرحه للتسهيل»، وقيل: هو حال من المستكن في الظرف. وتعقب بأنه في معنى المضاف ولذا جاز الابتداء به فكيف يكون حالًا، وإذا سلم كفاية هذا المقدار من التنكير في الحالية فالظرف لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم نحو كل يوم لك ثوب.
وأجيب عن أمر العمل بأن الأخفش أجاز عمل الظرف في حال إذا توسطت بينه وبين المبتدأ نحو زيد قائمًا في الدار عندك وما في الآية الكريمة كذلك، على أن بعضهم أجاز ذلك ولو تقدمت الحال على المبتدأ والظرف؛ نعم منعه بعضهم مطلقًا لكن المخرج لم يقلده، وابن الحاجب جوزه في بعض كتبه ومنعه في بعض، قيل: وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيًا لا معنويًا، وإلى هذا التخريج ذهب ابن مالك وأنشد له قول بعض الطائيين:
دعا فأجبنا وهو بادي ذلة ** لديكم فكان النصر غير قريب

وحمل قوله تعالى: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] في قراءة النصب على ذلك، وقال أبو حيان: الذي اختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قيل: أن كلا فيها. وإذا كانوا قد تأولوا حولًا أكتعًا ويومًا أجمعًا على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فأن يدعي في كل البدل أولى، وأيضًا فتنكير {كُلٌّ} ونصبه حالًا في غاية الشذوذ نحو مررت بهم كلا أي جميعًا. ثم قال: فإن قلت: كيف تجعله بدلًا وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور النحويين؟ قلت: مذهب الأخفش. والكوفيين جوازه وهو الصحيح، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافًا في ذلك كقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} [المائدة: 114] وكقولك: مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيدًا كلنا، فإذا جاز ذلك فيما هو عنى الإحاطة فجوازه فيما دل على الإحاطة وهو {كُلٌّ} أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يحقق مناط الخلاف انتهى، ولعل القول بالتوكيد أحسن من هذا وأقرب، ورد ابن مالك له لا يعول عليه {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وقدر لكل منا ومنكم عذابًا لا يدفع عنه ولا يتحمله عنه غيره.